القانون لا يحمي الطيبين
الزيارات:
الزيارات:
Unknown | 6/24/2013 07:35:00 م |
عام
ما شعورك لو عرضت نفسك على الطبيب لأنك مصاب بالرشح ، وعندما سألك الطبيب إن كنت تعرضت لهواء بارد فأخبرته أن نعم، استحممت ثم خرجت مضطراً فلفحك الهواء البارد وهو ما تسبب لك بالرشح فالزكام وأنت تعرف ذلك لكن التقصير حدث منك لأسباب معينة أو بلا أسباب وانتهى الأمر وأنت الآن تبحث عن العلاج .
إلا أن الطبيب واجهك بوجه خشبي لا يحمل أية عواطف محددة وقال بلغة فصيحة مسموعة لكل الحاضرين والجالسين هناك في استراحة الانتظار القريبة : عفواً ، لا علاج لك عندي فأنت مغفل أبله !
هذا ما حدث أمام عينيّ ، ولكن ليس من قبل طبيب غاضب وإنما من قبل رجل قانون هاديء ، يقولها لرجل أشيب جاء يشتكي من سرقة بعض شركائه لثقته واختلاسهم لبمالغ ضخمة من الشركة ، فكان الرد القانوني المعلب والسمج وقليل الأدب : أنت مغفل ، ولا أدري كيف أصبحت رجل أعمال !
المفاهيم المغلوطة عندما تستقر في الأذهان بشكلها المقلوب تتحول إلى كارثة أخلاقية تقوض كل بناء إيجابي .
وهذه المقولة الشهيرة التي لا أستسيغها ” القانون لا يحمي المغفلين ” من أكثر المقولات انتشاراً وقبولا لدى العامة بالرغم من مخالفتهم لها في مجتماعتنا الطيبة ولكن بسبب ترويج رجال القانون لها مقلدين في ذلك أصحاب القانون الحديث وهم في مجتمعاتهم المختلفة تماماً .
كان الواحد منا يرفع سماعة الهاتف ويقول لصاحب معرض السيارات : بع سيارتي التي عرضتها عندك وأخبرني عند إتمام ذلك ، ثم ينام قرير العين . وبعد أيام يأتيه الاتصال : تعال خذ مالك 120 ألف بالتمام والكمال .
ولا أحد يسرق أحداً ولا أحد يستغفل أحداً ، بل مجرد التشكيك في الأمانة أمر أكبر لدى الشخص من كل أموال الدنيا ، وبالتالي فهو بعيد عن كل ما يريب في هذا الخصوص .
ويخبرني أبي أنهم كانوا ” يطرشون ” مسيرة أيام لأقرب سوق في المدينة لشراء أساسيات المعيشة من العيش والطحين والتمر والملابس ، وأن كثير من الباعة يكتفي بمعرفة الاسم ويعتمد عليه حين يطلب أحدهم من البائع الصبر على دفع الثمن حتى مرة أخرى من السنة المقبلة .
فكان البائع يثق بالرجل واسمه وكان الرجل يحمي اسمه من العيب والمنقود فيفي بوعوده بلا أوراق أو ضمانات .
حسناً ، أعلم أن هذا الجمال الإنساني انجرف بعيدا مع تيار المادية والعصرية ، وأن الشركات أصبحت عابرة للقارات فلم تعد تعرف أسماء الرجال وتكتفي بوعودهم ، كل هذا معروف ومفهوم ، لكن ينبغي أن لا نتسابق إلى محو كل عاداتنا وأطباعنا النبيلة بدعوى العصرانية والحداثة .
والعيش بين جماعة كل واحد منهم ينتظر غفلة الآخر لينقض عليه سلبا ونهبا لا يختلف كثيرا عن العيش في الغابة ، وهنا فالقانون لم يأت إلا ليحمي هؤلاء المغفلين الطيبين الذين عاملوا المجرم بكرم وشرف لا يستحقه .
هم الأصل وتصرفهم هو الحق أما خيانة هذا المجرم المستغفل فهو شذوذ يجب إثباته بشتى الطرق ومن ثم معاقبته لا التساهل في إحقاق الحق بدعوى عدم توفر الأدلة ، وإلقاء اللوم على صاحب الحق هكذا بكل بجاحة : أنت مغفل ، والقانون لا يحمي المغفلين .
جاء رجلان يتقاضيان عند إياس بن معاوية، فادَّعى أحدهما أنه أودع عند صاحبه مالا، فلما طلبه منه جحده، فسأل إياسُ الرجلَ المدَّعَى عليه عن أمر الوديعة فأنكرها، وقال : إن كانت لصاحبي بينة فليأتِ بها، وإلا فليس له علي إلا اليمين.
فلما خاف إياسٌ أن يأكل الرجل المال بيمينه التفت إلى المودِع وقال له : في أي مكان أودعته المال ؟ أي أعطيته، قال : في مكان كذا، قال : وماذا يوجد في ذلك المكان ؟ قال : شجرة كبيرة جلسنا تحتها، وتناولنا الطعام معًا في ظلها، ولما هممنا بالانصراف دفعت إليه المال، فقال له إياس : انطلِق إلى المكان الذي فيه الشجرة فلعلَّك إذا أتيتها ذكَّرتك أين وضعت مالك، فانطلق الرجل إلى المكان، وقال إياس للمدَّعى عليه : اجلس إلى أن يجيء صاحبك، فجلس، ثم التفت إياس إلى من عنده من المتقاضين، وطفق يقضي بينهم، وهو يرقب الرجل بطرف خفي، حتى إذا رآه قد سكن ، التفت إليه وسأله على عجل : أتظن أن صاحبك قد بلغ الشجرة ؟ فقال الرجل : لا إنها بعيدة من هنا، فقال له إياس : يا عدو الله تجحد المال وتعرف المكان الذي أخذته فيه !
هذا هو القضاء الحق ، ولو كان في عصرنا لقال إياس بن معاوية للمدعي : هل لديك فاتورة أو سند قبض ؟ فإن قال لا : صاح به: أخرج أيها المغفل لا حق لك .
ومشكلتنا القانونية تكمن في التقنين ، صحيح أنه يحل مشكلات كثيرة لكنه يولد أخرى . فالتقنين حوّل العملية القضائية إلى خطوات مقننة لكل خطوة شروط ومتطلبات ثابتة ، ولم تعد هناك مساحة للاجتهاد والتجديد بما في ذلك طرق الإثبات ، فكل شيء يتبع إجراءات روتينية يستطيع تسييرها أي موظف في القطاع القانوني والقضائي حتى عامل القهوة إن شد حيله .
ومشكلتنا الأخرى في التقليد واتباع القانون الدولي وعدم تخصيص ثيابنا على مقاسنا .
فلدينا في الدول الإسلامية والشرقية قيم وعادات وأطباع لا تقل أهمية وقوة عن بنود القانون ، وهذه العناصر يجب أن يكون لها مكان بارز في التشريع وعند التقاضي .
التسميات:
عام
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |
قد يهمك أيضا :
عام
- Adsense and the Surfer
- Adsense Alternatives 2
- Adsense Alternatives
- رمضان؟
- Car donate
- ماهو فوركس؟
- مسلسلات رمضان الخليجية 2013
- Boeing 777 plane crash-lands at San Francisco airport
- تعلم تخفيض وزنك بدون جوانب سلبيه مجانا بدون فلوس
- قصر في وسط بحر !!
- سعر حبة العنب يصل الى 255 دولار في اليابان
- من روائع الصور+ الملتقطة+ من ناشونال +جيوغرافيك .. صراع +حتى +الموت
- مشروع Arabic Coach لتعليم الأجانب اللغة العربية
- تعلم انجليزي مجانا
- كلها 10 ايام وياتي ..
- كهف ميلساني الساحر في اليونان بالصور والفيديو
- استعراض واستهتار بالجيتي أمام الدوريات في الكويت !
- بالصور معرض سيارات لاند روفر وجاكوار يغرق بسبب الفياضات التي اجتاحت المانيا
- صور : كابتن طائرة يلتقط صور رائعة لمدينة دبي من السماء
- DIGITAL CAMERA: THE FUTURE OF CAMERAS
0 التعليقات:
إرسال تعليق